سحر الحسيني تكتب: «منتهي الصلاحية».. عندما يتحول الإنسان إلى بضاعة تالفة! - أحداث اليوم

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سحر الحسيني تكتب: «منتهي الصلاحية».. عندما يتحول الإنسان إلى بضاعة تالفة! - أحداث اليوم, اليوم الثلاثاء 25 مارس 2025 04:02 مساءً

ما الذي يحدد صلاحية الإنسان في هذا المجتمع؟ هل هو تاريخ انتهاء مكتوب في بطاقة هويته، أم خطيئة عابرة جعلته في نظر الآخرين بلا قيمة؟ هل يمنح الإنسان فرصة ثانية حقًا، أم أن المجتمع يتعامل معه كمنتج فاسد لا يصلح إلا للإقصاء؟

هذه الأسئلة القاسية هي جوهر مسلسل “منتهي الصلاحية”، العمل الدرامي الذي لم يكتفِ بإثارة الجدل، بل نزل إلى قلب العفن الاجتماعي، ونبش المسكوت عنه، وصنع منه مرآة مرعبة تعكس حقيقة الواقع.

السقوط من النظام.. والسقوط في الهاوية

محمد هشام عبية، الذي اعتدنا منه تقديم نصوص ذات بعد إنساني واجتماعي قوي، يضع يده هنا على عقدة المجتمع الحديث. كيف يمكن أن يتحول الفرد من شخص منتج إلى مجرد رقم زائد؟ كيف يسحق الإنسان بين ماكينة الأخطاء والأحكام الجاهزة؟ صالح لم يكن فاسدًا، لكنه دفع ثمن فساد غيره. وعندما حاول العودة، اكتشف أن الحياة ليست بالسخاء نفسه الذي كانت عليه قبل السجن.

كما عهدناه، يكتب عبية نصًا يمزج بين العمق الاجتماعي والتشويق النفسي. لكنه في “منتهي الصلاحية” لا يقدم مجرد دراما اجتماعية، بل يضع يده على جرح صديدي في قلب المجتمع المصري والعربي.

ماذا نفعل بالمظلوم بعد أن يتحول إلى مدان في نظر الجميع؟ هل نعيده إلى الحياة، أم نتركه يتعفن في الظل؟

العمل لا يقدم إجابات، لكنه يجبرك على طرح الأسئلة. كل مشهد هو مرآة لواقع نعيشه، وكل حوار هو لكمة في وجه الرومانسية الزائفة عن العدالة والفرص الثانية.

الأداء التمثيلي.. معركة داخل العيون

المسلسل يعتمد على السرد المتصاعد والتفاصيل الدقيقة. لا يوجد مشهد زائد أو حوار مجاني، كل جملة تُستخدم بذكاء لبناء الشخصية وتصعيد التوتر. التلاعب بالزمن، الفلاش باك غير التقليدي، والإيقاع المتوتر يجعل المشاهد يلهث خلف الأحداث، غير قادر على التقاط أنفاسه حتى في لحظات الهدوء.

في المشهد الذي يقف فيه “صالح” أمام مكتب مدير البنك طالبًا وظيفة، يجيبه المدير بضحكة ساخرة:“أنت كنت هنا موظف، بقيت سجين، دلوقتي جاي تبقى إيه؟”

هنا تتضح فلسفة العمل. المجتمع لا يمنح فرصًا ثانية بسهولة، والوصمة أقوى من الحقيقة.

محمد فراج في دور حياته، ليس مجرد رجل يائس، بل قنبلة موقوتة من الغضب والخذلان والانكسار. يؤدي الدور بحرفية مخيفة، كعادته في أدوار الرجل المهزوم الذي يحمل أملًا داخليًا لكنه لا يستطيع الوصول إليه. نظراته وحدها تحمل طبقات من الألم تفوق ألف حوار.

ياسمين رئيس، رغم أن دورها أقرب إلى “الظل”، تقدم أداءً جريئًا، بعيدًا عن الصورة النمطية للمرأة الضعيفة أو المتسامحة. دورها هو تجسيد للواقع القاسي: ليس كل من يحبك يستطيع انتظارك إلى الأبد.

حسن مالك قدم واحدًا من أكثر أدواره نضجًا حتى الآن. لم يكن مجرد “الولد الشقي”، بل صنع شخصية تجمع بين الذكاء، السذاجة، الطموح، والانتهازية في آنٍ واحد. جعل المشاهدين يتعاطفون معه أحيانًا، ويخشونه في أحيانٍ أخرى.

وبراعة عبية تتجلى في جعله شخصية محورية، لأنه الممر الذي عبر منه “صالح” إلى العالم المظلم. لم يكن صالح ليصل إلى هذه اللعبة الخطيرة لولا “شرقاوي”، الذي قدم له الوهم ملفوفًا بالأمل.لأنه لا يرى في نفسه خطرًا، في نظره، هو لا يفعل شيئًا خاطئًا، بل فقط يساعد الآخرين على “استغلال الفرص المتاحة”.والأهم أنه يمثل الجيل الذي نشأ في عصر “الفلوس السهلة”: يؤمن بأن الذكاء وحده يكفي لصناعة الثروة، وأن الشرف مجرد عقبة في طريق النجاح.

هبة مجدي، محمود الليثي، وخالد سرحان.. كل واحد منهم يعكس وجهًا مختلفًا من الوحشية الاجتماعية: المتواطئ، اللامبالي، والانتهازي الذي يتأرجح بين التعاطف والخوف.

الصورة والموسيقى.. عالم يخنقك ببطء

المخرج تامر نادي يصنع عالمًا بصريًا خانقًا، وزوايا التصوير التي يعتمدها محمد عطاالله تجعلك دائمًا محاصرًا مثل البطل. الألوان باهتة، كأنها تعكس حياة تذبل ببطء. الإيقاع سريع، لا وقت للملل.

أما الموسيقى، فهي ليست مجرد خلفية، بل تلعب دورًا نفسيًا مهمًا، تزيد التوتر وتعكس الانهيارات الداخلية للشخصيات. إنها صوت الألم الداخلي الذي لا يستطيع البطل التعبير عنه. شكرًا للموسم الثاني على التوالي للرائع أشرف الزفتاوي.

المسلسل يضع المجتمع أمام حقيقته العارية: نحن لا نغفر، نحن لا ننسى، نحن لا نمنح فرصًا، بل نحفر القبور ونرمي فيها كل من تعثر يومًا.يطرح السؤال المخيف: ماذا لو كنت أنت “صالح”؟ هل كنت ستنجو؟ أم كنت ستنتهي صلاحيتك؟لا نهاية سعيدة، لا معجزات، لا حلول جاهزة.. فقط الحقيقة بكل قسوتها. عالم يشبهنا حد الألم.

“منتهي الصلاحية”.. أكثر من مجرد دراما

“منتهي الصلاحية” ليس مجرد مسلسل درامي، بل صفعة على وجه مجتمع يفضل إصدار الأحكام على منح الفرص. صرخة في وجه واقع يعشق الإعدام البطيء لأفراده. إنه عمل يجعلك تفكر، يجبرك على إعادة تقييم أفكارك عن العدالة، عن الفرص الثانية، عن معنى أن تكون “إنسانًا” وسط عالم يحسبك بالأرقام فقط.

ثم يتناول المسلسل قضية المراهنات الإلكترونية، التي لم تعد مجرد لعبة، بل حرب اقتصادية ونفسية تدمر المجتمعات من الداخل. كل رهان يخسره فرد، هو رهان يخسره المجتمع كله.

لم تعد المراهنات مجرد طاولة قمار في كازينو مظلم، ولم تعد حكرًا على النخبة أو المجرمين، بل أصبحت في جيب كل شاب يحمل هاتفًا ذكيًا. لم يعد الأمر يقتصر على رهانات كرة القدم أو سباقات الخيل، بل امتد إلى حياتنا اليومية: من سيربح؟ من سيخسر؟ من سينهار أولًا؟

ومع تصاعد الدراما حول هذه الظاهرة، وضع عبية يده على الجرح الاجتماعي العميق: كيف تحولت المراهنات إلى إدمان جديد يلتهم الضحايا، ويعيد تدويرهم في دائرة لا خروج منها؟نعم، ليست مجرد لعبة، بل إدمان أخطر من المخدرات، لأنها تمنحك وهم السيطرة، في حين أنك لا تتحكم في أي شيء.

هذا ليس عملًا ينتهي بانتهاء المشاهدة، إنه واحد من تلك التجارب التي تظل بداخلك، تعيد مشاهدتها حتى بعد أن تطفئ الشاشة، لأنك تعرف جيدًا أن هذا ليس مجرد “صالح”، بل يمكن أن يكون أنا.. أو أنت.

وهنا، السؤال الأهم الذي يتركه المسلسل معلقًا في الهواء:هل انتهت صلاحية الإنسان؟ أم أن المجتمع هو الذي أصبح منتهي الصلاحية؟

أخبار ذات صلة

0 تعليق