نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«العين الحارسة لأمريكا».. خفايا قاعدة بيتوفيك وسر تمسك ترامب بغرينلاند - أحداث اليوم, اليوم الأربعاء 26 مارس 2025 10:48 مساءً
لا يمكن النظر إلى مدى تشبث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمطالبة بضم غرينلاند إلى الولايات المتحدة، بعيداً عن قاعدة «بيتوفيك» العسكرية الفريدة من نوعها في الجزيرة، حيث تزامنت تصريحاته الحالية مع زيارة مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى ينضم إليهم هذا الأسبوع نائبه جي دي فانس، رغم معارضة حكومة غرينلاند الشديدة لهذه الزيارة.
في أحدث تصريح له قال ترامب، إن بلاده بحاجة إلى «غرينلاند من أجل الأمن والسلامة الدوليين، ولا بد من أن الحصول عليها»، كما جاءت التصريحات في سياق تقرير سنوي للمخابرات الأمريكية حذر من مدى خطورة التقدم الصيني والروسي على التفوق العسكري الأمريكي، وهو ما يسلط الضوء على مدى الأهمية الاستراتيجية البالغة لقاعدة بيتوفيك الفضائية الأمريكية المعروفة سابقاً باسم قاعدة ثولي الجوية في غرينلاند.
القاعدة التي تديرها الولايات المتحدة في شمال غرب غرينلاند، تعد واحدة من أهم المواقع العسكرية الاستراتيجية في العالم، حتى لو لم يسمع عنها معظم الأمريكيين من قبل. ويقول بيتر راسموسن، المحلل الدفاعي الدنماركي: «إنها، حرفياً، العين الخارجية للدفاع الأمريكي»، وأضاف: «قاعدة بيتوفيك هي المكان الذي تستطيع الولايات المتحدة من خلاله رصد أي إطلاق للصواريخ، وحساب مسارها، وتفعيل أنظمة دفاعها الصاروخي. إنه نظام لا غنى عنه».
ويتمركز نحو 150 فرداً من القوات الجوية وقوة الفضاء الأمريكية بشكل دائم في قاعدة بيتوفيك (بي-دو-فيك)، حيث يتولون مهام الدفاع الصاروخي ومراقبة الفضاء، ويمكن لرادار الإنذار المبكر المطوّر المتمركز هناك اكتشاف الصواريخ الباليستية في اللحظات الأولى من انطلاقها.
وفي كل صيف، يتوجه نحو 70 فرداً من الحرس الوطني الجوي لنيويورك إلى بيتوفيك لدعم البعثات العلمية، وباستخدام الطائرة الوحيدة للجيش الأمريكي المجهزة بزلاجات، وهي طائرة LC-130، ينقلون الباحثين والإمدادات إلى معسكرات على الغطاء الجليدي.
ـ الأهمية الاستراتيجية ـ
ومنذ عامين فقط، تم تغيير اسم القاعدة من ثولي إلى بيتوفيك، وهو ما يعني بلغة غرينلاند «مكان ربط الكلاب». وتقع القاعدة فوق خط العرض 76 على الساحل الشمالي الغربي لغرينلاند، وذلك على بُعد نحو 750 ميلاً من القطب الشمالي، ولذلك تعتبر من أكثر المنشآت العسكرية عزلةً على وجه الأرض. أما أقرب مستوطنة لها فتسمى كاناك، وتبعد أكثر من 70 ميلاً، ويقطنها أقل من 650 شخصاً، حيث يعملون في صيد الحيوانات القطبية ومن بينها أحياناً الدببة للبقاء على قيد الحياة.
وفي الشتاء، تختفي الشمس لأسابيع وتنخفض درجات الحرارة إلى ما دون 34 درجة مئوية تحت الصفر، ورغم هذه الظروف، يعمل مطار بيتوفيك على مدار العام، لكن لا تستطيع السفن الوصول إلى القاعدة إلا خلال فترة صيفية قصيرة، عندما يتراجع الجليد البحري مؤقتاً.
وتُعدّ قاعدة بيتوفيك جزءاً من شبكة عالمية من البنية التحتية الدفاعية الأمريكية، ومحطةً حيوية، ويؤكد الخبراء العسكريون أنه مع ظهور تهديدات جديدة، مثل الصواريخ الأسرع من الصوت، فإن أنظمة الإنذار المبكر في بيتوفيك لا غنى عنها.
ويوضح تروي بوفارد، الضابط المتقاعد في الجيش الأمريكي وخبير دفاع القطب الشمالي: «الصواريخ الأسرع من الصوت لا تنطلق إلى الفضاء، بل تحلق على ارتفاع منخفض، وتناور، ولا سبيل لاعتراضها بعد إطلاقها. وهذا يجعل الإنذار المبكر أكثر أهمية من أي وقت مضى، وهنا يأتي دور بيتوفيك».
وتعتبر قاعدة بيتوفيك واحدة من أهم المحطات في شبكة البنية التحتية الدفاعية العالمية للولايات المتحدة، ويؤكد بوفارد أنه «إذا تم إطلاق صاروخ من روسيا أو الصين باتجاه أمريكا الشمالية، فمن المرجح أن يمر فوق القطب الشمالي، ولذلك فإن أجهزة الاستشعار الأرضية المستخدمة في بيتوفيك لها أهمية بالغة في هذه الحالة، لأن الأقمار الصناعية لا تعمل بشكل جيد في خطوط العرض العليا».
وأضاف أن الليزر لا يعمل في القطب الشمالي أيضاً، وأوضح: «أعمدة الهواء مليئة ببلورات الجليد، وهي في الأساس مرايا صغيرة، والليزر والمرايا لا يتوافقان».
كما يرى أن دور بيتوفيك يتوسع إلى ما هو أبعد من الرادار، حيث يمكن أن تُستخدم أيضاً كقاعدة انطلاق متقدمة أو خط اتصال رئيسي. وكلما كانت هذه المواقع متقدمة أكثر، زادت فائدتها.
ـ جذور تاريخية ـ
بدأ الوجود العسكري الأمريكي في غرينلاند خلال الحرب العالمية الثانية، عندما كانت مستعمرة دنماركية. وبعد احتلال ألمانيا النازية للدنمارك عام 1940، أصبحت غرينلاند فجأة معزولة وغير محمية، ثم أبرمت الولايات المتحدة صفقة سرية مع سفير الدنمارك في واشنطن، متجاوزةً الحكومة التي تسيطر عليها ألمانيا في كوبنهاغن، لبناء القوات الأمريكية مطارات ومحطات أرصاد جوية على الجزيرة.
وبحلول عام 1941، كانت القوات الأمريكية قد هبطت هناك وأقامت دفاعاتها، ومسحت شمال الأطلسي بحثاً عن الغواصات الألمانية، وبعد عقد من الزمان، صاغت الدنمارك والولايات المتحدة رسمياً معاهدة دفاعية تمنح واشنطن حقوقاً واسعة لتشغيل منشآت عسكرية على الجزيرة. ولاحقاً أصبحت غرينلاند شبه مستقلة عن الدنمارك، وهي، مثل الولايات المتحدة، دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
خلال الحرب الباردة، أصبحت القاعدة الأمريكية رئيسية في القطب الشمالي، ومنها تتمكن القاذفات الأمريكية بعيدة المدى من الوصول إلى الاتحاد السوفييتي، كما بُنيت أنظمة رادار ضخمة لرصد الصواريخ العابرة للطريق القطبي، والذي يعد أقصر طريق بين القوتين العظميين.
ـ تجارب عسكرية غامضة ـ
وتعتبر قاعدة بيتوفيك الفضائية واحدة من أهم المواقع العسكرية الاستراتيجية في العالم، لكن من أغرب التجارب التي جرت على مقربة منها ما وصف بـ«معسكر القرن»، وهو قاعدة تعمل بالطاقة النووية بُنيت تحت الجليد في أواخر خمسينات القرن الماضي ضمن مشروع سري يُسمى«الدودة الجليدية»، وتمثل ذلك في مخطط لاختبار القدرة على إخفاء الصواريخ النووية وإطلاقها من تحت سطح الجليد.
ولكن ثبت أن الجليد غير مستقر للغاية، وهو ما اضطر القوات إلى هجرة الموقع، لكن النفايات، بما في ذلك المواد المشعة والديزل، لا تزال مدفونة، ويحذر العلماء من أن ارتفاع درجات الحرارة قد يكشفها في النهاية.
كما تركت القاعدة أيضاً أثراً دائماً على السكان الأصليين في غرينلاند، ففي عام 1953، نُقل نحو 130 ساكناً قسراً من منازلهم قرب«قاعدة ثولي» وقتها إلى مستوطنة أبعد شمالاً، لكنها لم تكن تصلح للصيد التقليدي الذي اعتاد السكان عليه، ورغم تعويض هؤلاء السكان بعد عقود، لكن الاستياء لا يزال قائماً.
ـ زيارة مثيرة للجدل ـ
فانس قال إنه سيتوجه في زيارة مثيرة للجدل أوضح المسؤولون في غرينلاند أنهم لا يريدونها على الإطلاق، وفي البداية، قالت إدارة ترامب إن أوشا فانس وزوجها نائب الرئيس، وكذلك مايكل والتز، مستشار الأمن القومي، سيقومون برحلة إلى غرينلاند، لكن سارع مسؤولون من الدنمارك وغرينلاند إلى وصف هذه الخطوة بأنها» عدوانية «وجزء من خطة ترامب للسيطرة على الجزيرة، كما ردد كثيراً.
وفي محاولة للتخفيف من حدة الغضب، قال فانس لاحقاً إنه«سيتحقق خلال الزيارة فقط مما يحدث مع الأمن هناك في غرينلاند»، ورغم ذلك تصاعدت المشاعر المناهضة لترامب بشكل مطرد في الجزيرة، وكان النشطاء يستعدون بالفعل للاحتجاج على وصول الوفد الأمريكي، بدءاً من المطار الدولي في العاصمة نوك، لكن يبدو الآن أن عائلة فانس قد لا تطأ أقدامها أرض هذا المطار.
لدى الولايات المتحدة اتفاقية دفاعية طويلة الأمد مع الدنمارك لنشر قوات في غرينلاند، ويمكن للمسؤولين الأمريكيين زيارة القاعدة متى شاؤوا، وصرح مراقبون أمريكيون أنهم يتوقعون أن يسافر فانس مباشرةً إلى القاعدة الفضائية، التي تبعد نحو 1000 ميل شمال نوك، متجنبين التوترات التي تلوح في الأفق في العاصمة.
وأكد مسؤولون في غرينلاند أنهم لم يوجهوا الدعوة للأمريكيين في المقام الأول، ولكن لديهم سيطرة ضئيلة على من يزور القاعدة الأمريكية.
وفي البداية، كان من المقرر أن تشاهد زوجة فانس وأحد أبنائها سباق زلاجات الكلاب، وهو تقليدٌ في سيسيميوت، إحدى أكبر مدن غرينلاند، لكن منظمي السباق أصدروا بيانًا لاذعاً الأحد، مفاده بأنه على الرغم من أن السباق مفتوح للجمهور، فإنهم لا يرحبون بأسرة فانس. لكن متحدثة أسرة فانس قالت إنها تلقت «دعوات متعددة لحضور سباق غرينلاند الوطني للزلاجات التي تجرها الكلاب». ومع ذلك، أعلن البيت الأبيض يوم الثلاثاء أنها لن تشارك في السباق.
ـ هل يذهب والتز؟ ـ
كان مسؤولو الإدارة الأمريكية قد خططوا في البداية لزيارة مستشار الأمن القومي مايك والتز للقاعدة الفضائية، التي تُعدّ جزءاً أساسياً من نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي، لكن مع تورطه في جدل تسريبات تطبيق سيغنال حول خطط عسكرية بالغة الحساسية، تبدو مشاركته غير مؤكدة.
وعموماً، يرى بعض المحللين السياسيين في الدنمارك أن قرار إرسال نائب الرئيس الأمريكي فانس بمثابة«تصعيد»، ويشير لارس موغنسن، المعلق السياسي في كوبنهاغن:«إنهم يختارون مضاعفة جهودهم، بل وتصعيدها بشكل هائل، من خلال إرسال فانس». وأضاف:«هذا الأمر يفوق بكثير أهمية مايك والتز أو أوشا فانس».
وأضاف أن«الناس في الدنمارك بدأوا ينظرون إلى هذا باعتباره نوعاً من الحرب الهجينة»، مشيراً إلى المقارنات مع شبه جزيرة القرم، المنطقة التي ضمتها روسيا في عام 2014. لكن آخرين رأوا أن قرار زيارة القاعدة الأمريكية والتخلي عن سباق زلاجات الكلاب ربما كان أقل استفزازاً.
0 تعليق