نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سقوط الطغاة - أحداث اليوم, اليوم السبت 15 مارس 2025 10:35 مساءً
تبدو الأنظمة الاستبدادية، للوهلة الأولى وكأنها غير قابلة للسقوط يتحكم الطغاة في أجهزتهم الأمنية، يحكمون قبضتهم على الاقتصاد ويحيطون أنفسهم بشبكات من الولاء المشروط، ما يجعل مقاومتهم تبدو مستحيلة ومع ذلك، فإن التاريخ يثبت أن كل طاغية، مهما بلغت قوته، يواجه في نهاية المطاف تهديدات وجودية من الداخل والخارج.
في كتابه «كيف يسقط الطغاة: وكيف تنجو الأمم»، يقدم الباحث مارسيل ديرسوس دراسة معمقة حول مصير الأنظمة الاستبدادية، مستنداً إلى لقاءات نادرة مع منشقين، وقادة عسكريين وضباط استخبارات ومخططي انقلابات ومتمردين؛ ليكشف عن العوامل التي تؤدي إلى سقوط الطغاة، والنتائج التي تترتب على ذلك.
يركز الكتاب على تفكيك الأسطورة القائلة إن الأنظمة الديكتاتورية تدوم إلى الأبد، موضحاً أن الطغاة، بغض النظر عن مدى إحكام قبضتهم على السلطة، يظلون عرضة لمجموعة من المخاطر التي قد تؤدي إلى انهيارهم، في بعض الحالات تأتي هذه المخاطر من داخل دوائرهم الضيقة، حيث يشعر الحلفاء والمساعدون المقربون بعدم الأمان أو يطمحون إلى السلطة بأنفسهم، في أحيان أخرى يكون الجيش، الذي يشكل دعامة أساسية لأي نظام سلطوي، مصدر التهديد الأكبر، حيث يمكن أن يتحول ضباطه من أدوات للحفاظ على الاستقرار إلى قادة للتمرد أو الانقلاب، كما أن الشعوب التي تعاني من القمع قد تصل في لحظة ما إلى حد الانفجار، ما يدفع إلى انتفاضات جماهيرية تزلزل أركان النظام.
يبحث ديرسوس في مجموعة متنوعة من الحالات التاريخية والمعاصرة، مستعرضاً كيفية سقوط الأنظمة الاستبدادية عبر الزمن، من سقوط طغاة روما القديمة إلى الديكتاتوريات الحديثة التي انهارت نتيجة انقلابات عسكرية، أو ثورات شعبية، أو حتى اغتيالات مدبرة من داخل النظام نفسه ويشير إلى أن الطغاة غالباً ما يسقطون بنفس الأدوات التي استخدموها في الحفاظ على سلطتهم؛ فشبكات الولاء التي ينسجونها قد تصبح سبباً في خيانتهم والخوف الذي ينشرونه في مؤسسات الدولة قد يدفع بعض القوى الفاعلة إلى التخلص منهم قبل أن يوجهوا سيوفهم إليها.
تأثير الصراعات الداخلية على سقوط الطغاة
يشير الكاتب إلى أنه في بعض الحالات، يكون سقوط الطغاة سريعاً ومفاجئاً، كما حدث مع الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو، الذي أطيح به خلال أيام قليلة بعد عقود من الحكم المطلق، بينما قد تستغرق بعض الأنظمة سنوات من التآكل التدريجي قبل أن تنهار، كما كان الحال مع الاتحاد السوفييتي السابق الذي تفكك بعد عقود من السيطرة الصارمة. هذه الاختلافات تعكس تعقيد العوامل التي تؤدي إلى زوال الأنظمة الاستبدادية، والتي تشمل التمردات الشعبية والانقلابات العسكرية والصراعات الداخلية بين أجنحة السلطة.
يركز ديرسوس على الطغاة الذين سقطوا بسبب خيانة الدوائر المقربة منهم وهو نمط شائع في العديد من الأنظمة الاستبدادية.
تحولات سياسية داخلية
لا يقتصر التحليل في الكتاب على الأنظمة التي أطيح بها بالقوة، بل يناقش أيضاً الأنظمة الاستبدادية التي سقطت نتيجة التحولات السياسية الداخلية والإصلاحات غير المخطط لها، أحد الأمثلة التي يتناولها هو حكم أوغستو بينوشيه في تشيلي، الذي لم يُطَح به بانقلاب أو ثورة، بل من خلال استفتاء شعبي أدى إلى إنهاء حكمه العسكري في عام 1990 وعلى الرغم من أنه حاول البقاء في السلطة عبر وسائل قانونية، فإن تآكل الدعم الشعبي له، وضغوط المجتمع الدولي، وسوء إدارة الاقتصاد، أجبرته في النهاية على القبول بنتائج الاستفتاء والتخلي عن الحكم، يقدم هذا النموذج رؤية مختلفة لكيفية سقوط الطغاة، حيث لا تكون القوة العسكرية أو الانتفاضات الشعبية هي الوسيلة الوحيدة لإنهاء الاستبداد، بل قد يكون هناك طريق تدريجي نحو التغيير السلمي عندما تتوافر الظروف السياسية المناسبة.
أجهزة أمنية قوية
يقدم ديرسوس أيضاً رؤية تحليلية لأنظمة ما تزال قائمة رغم التحديات، محاولاً استشراف العوامل التي قد تؤدي إلى انهيارها في المستقبل فهو يناقش كيفية تمكن بعض الأنظمة الاستبدادية الحديثة، مثل كوريا الشمالية من البقاء على الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية، معتمدين على أجهزة أمنية قوية وسياسات قمعية ممنهجة ودعم خارجي من حلفاء أقوياء، لكن الكتاب يوضح أنه حتى هذه الأنظمة ليست محصنة بالكامل، إذ تواجه تهديدات داخلية تتعلق بسخط النخب الحاكمة، وانخفاض الولاء داخل المؤسسات الأمنية، والتحديات الاقتصادية التي قد تؤدي إلى انهيارات مفاجئة في المستقبل.
تحذيرات من الفوضى
ورغم أن سقوط الطغاة قد يبدو للوهلة الأولى انتصاراً للديمقراطية والعدالة، فإن ديرسوس يحذر من الفوضى التي قد تعقب ذلك، في كثير من الحالات، يؤدي انهيار الأنظمة الاستبدادية إلى صراعات داخلية، وانقسامات سياسية وظهور قوى جديدة قد تكون أكثر قسوة من النظام السابق. يلفت الكتاب الانتباه إلى السيناريوهات المختلفة التي قد تتبع سقوط الطغاة، مشيراً إلى أن نجاح أي عملية انتقال سياسي يتوقف على وجود مؤسسات قوية وتوافق بين القوى السياسية المختلفة وإرادة شعبية قادرة على توجيه المسار نحو مستقبل أكثر استقراراً.
واحدة من أهم الأفكار التي يعالجها ديرسوس هي أن الأنظمة الاستبدادية لا تسقط بسبب عامل واحد فقط، بل نتيجة تراكم طويل للأخطاء والضغوط الداخلية والخارجية، مشيراً إلى أن الطغاة يعتمدون على مجموعة من الأدوات للحفاظ على سلطتهم، بدءاً من السيطرة على الإعلام، وقمع المعارضة والتلاعب بالاقتصاد وحتى خلق بيئات من الخوف والترهيب، لكن كل نظام استبدادي يحمل داخله بذور سقوطه، إذ إن الاعتماد المفرط على القوة يؤدي إلى إضعاف مؤسسات الدولة والاعتماد على الولاء الشخصي يجعل أي خلل في شبكة العلاقات الداخلية كارثياً، كما أن تجاهل المطالب الشعبية يؤدي إلى خلق قوى معارضة أكثر شراسة على المدى الطويل.
يتميز الكتاب بأسلوبه التحليلي القائم على الاستناد إلى دراسات ميدانية ومقابلات مع شخصيات فاعلة في سقوط أنظمة مختلفة، ما يجعله مصدراً غنياً لفهم آليات انهيار الاستبداد، يطرح ديرسوس تساؤلات مهمة حول ما إذا كانت هناك طرق أكثر استقراراً لإنهاء الحكم الديكتاتوري دون السقوط في فوضى ما بعد الانهيار، مشدداً على أن نجاح أي تحول ديمقراطي يتطلب استعداداً سياسياً واجتماعياً يتجاوز مجرد التخلص من الحاكم المستبد.
هشاشة الأنظمة الاستبادية
في النهاية، يقدم الكتاب الصادر عن جون موري في أواخر 2024 ضمن 274 صفحة باللغة الإنجليزية، رؤية شاملة حول هشاشة الأنظمة الاستبدادية رغم ما تبدو عليه من قوة، موضحاً أنه بينما لا يوجد مسار واحد لسقوط الطغاة، فإن نهاياتهم غالباً ما تكون متشابهة: المنفى، السجن، أو الموت، تاركين وراءهم أنظمة قد تعيش فوضى انتقالية أو تتجه نحو مستقبل جديد يعتمد على مدى استعداد المجتمع لمواجهة تحديات ما بعد الاستبداد.
أخبار متعلقة :