نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الدولة الوطنية والحق الفلسطيني الثابت - أحداث اليوم, اليوم السبت 12 أبريل 2025 10:14 مساءً
مع إيماني بمظلومية القضية الفلسطينية، ومدى فداحة الجرم الإنساني الذي يمارسه الكيان الإسرائيلي بحقهم، وأحقية الفلسطينيين المحتلين في تحرير أنفسهم، لكن الدفاع عنهم ومساندتهم لا تستوجب هدم البيت على رؤوسنا، ولا تستلزم توجيه التهم لبعضنا، وزعزعة الولاءات الوطنية في نفوس مجتمعنا، فذلك لن يزيد الأمر إلا سوءا، ويخدم في محصلته النهائية العدو الإسرائيلي ومجرمي الحرب في حكومتها المتطرفة.
في هذا السياق لو أن مجتمعاتنا العربية بمؤسساتها المدنية والسياسية عمدت إلى توجيه طاقاتها الانفعالية بشكل إيجابي (أسوة بمؤسسة هند رجب البلجيكية) لأدى ذلك إلى نتائج فاعلة، فمثلا يمكن الاستعاضة عن مقاطعة الشركات الغربية الداعمة للصهيونية بالضغط عليها لتقوم بدعم القضية الفلسطينية، أو يتم إعلان مقاطعتها بشكل تام، مع استبدال منتجاتها بمنتجات أخرى؛ كما يمكن تفعيل دور النقابات والاتحادات المختلفة للقيام بحملة دولية لشرح ما يتم من جرائم إنسانية بحق المدنيين العرب من قبل حكومة إسرائيل المتطرفة، وإبراز خطابات قادتها العنصرية؛ ويمكن تكثيف الخطاب القانوني أمام مختلف المؤسسات العدلية وجمعيات حقوق الإنسان للتعريف بما يحدث، ومواصلة رفع قضايا حقوقية في كل مكان يسمح بذلك؛ ويمكن تكثيف نشر الصور عبر مختلف أشكال وسائط التواصل المجتمعي بشكل فردي، وآخر منظم، ليعلم العالم بجرائم إسرائيل البشعة.
يمكن أشياء كثيرة لو أردنا أن نكون فاعلين حقيقيين، بعيدا عن الانفعالات الطائشة، ورمي التهم على بعضنا، والتشكيك في حكوماتنا التي تتعامل وفق ما يمكن وليس ما يجب، وهو المسار السياسي الصحيح لكل من يتولى مسؤولية مجتمعه وشعبه ووطنه، فالحفاظ على ما بقي من البَيدَر مقدم على أي فعل عبثي آخر، وآن الأوان لأن يكون العرب ظاهرة غير صوتية.
أشير إلى أن تأسيس دولنا الوطنية الحالية قد واكب ترهل الدولة العثمانية (الرجل المريض) بحسب وصف المشاركين بمؤتمر بطرسبرج عام 1853م، والتي جرى تقاسم أراضيها العربية في غفلة من أهلها، حيث احتلت فرنسا الجزائر عام 1830م، واحتلت بريطانيا عدن عام 1839م، وفرضت بريطانيا انتدابها على مصر عام 1882م، وتواجدوا على الساحل العربي من الخليج في أواخر القرن 19م ومطلع القرن 20م.
وهكذا تمددت بريطانيا وفرنسا في عديد من الأراضي العربية، حتى كان سقوط الدولة العثمانية بهزيمتها في الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م) وتقسيم منطقة الهلال الخصيب (العراق وبلاد الشام) بين بريطانيا وفرنسا عبر ما عرف باتفاقية سايكس بيكو عام 1916م، التي تم اعتمادها في معاهدة سيفر عام 1920م.
من حينه جرى تأسيس الدولة الوطنية التي تمكنت من طرد المحتل البريطاني والفرنسي تباعا، ثم كان أن انبثقت فكرة تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945م لتكون صوتا جامعا للهوية العروبية شرقا وغربا، لكن ذلك لم يجرِ وفق المأمول والمراد، الأمر الذي أعاق العرب عن توثيق عرى وحدتهم الجامعة، وسمح لكيان دولة إسرائيل التي أنشأها الغرب الصهيوني من البقاء والتمدد، وصولا إلى ما هي عليه اليوم من منعة قوية بفضل الدعم الغربي، ونتيجة للشتات العربي المتزايد.
واليوم وبعد مرور قرن من الزمان على إنشاء أوطاننا التي باتت تمثل منصة لأي وحدة عربية قادمة، يجري العمل على تفتيتها مجددا عبر مخطط الفوضى الخلاقة الذي أعلنته الولايات المتحدة والغرب الصهيوني مطلع القرن 21م، والهادف إلى تجزيئ المجزأ، وتوهين قدرات الوطن الواحد، وما جرى في العراق شاهد على ذلك، حيث وهَن الجسد الواحد، وجرى تفتيته عمليا وإن ظل محتفظا بسوره الخارجي؛ كذلك الحال مع سوريا، والتي يُراد لها أن تتفتت في ظل إثارة النزعات الطائفية والعرقية؛ والأمر أيضا في لبنان، والأردن؛ ولن تستكين إسرائيل حتى يتمزق العرب أشلاءً، وتسقط الدول الوطنية في مستنقع الفرقة والصراع الداخلي، ناهيك عن إثارتها وعبر ذبابها الالكتروني للصراع بين شعوب هذه الدول، وكم هو مؤسف أن تحقق إسرائيل مرادها بأيدي بعض بني جلدتنا ممن باعوا أنفسهم للشيطان، أو تمترسوا خلف أفكارهم غير الواعية سياسيا، ليكونوا بمثابة القنبلة الموقوتة التي تقتل صاحبها ومن يلوذ به من أهله وعشيرته.
أمام ذلك فالعقل الواعي يفرض الحفاظ على متانة الدولة الوطنية في الوقت الراهن، وحمايتها من أي خطاب أحمق متفاعل مع مواقف سياسية بثورية مرفوضة، يكون من نتائجها إثارة الفتنة وإدخال النزاع في ثنايا المجتمع؛ وفق ما يحدث اليوم من بعض التيارات السياسية التي تؤجج الشارع بشكل سلبي باسم الدفاع عن فلسطين وأهلنا في قطاع غزة الذين يتعرضون لأنكى الجرائم الإنسانية.
0 تعليق