التوبة من السحر أكثر شهرة من السحر نفسه! - أحداث اليوم

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التوبة من السحر أكثر شهرة من السحر نفسه! - أحداث اليوم, اليوم الثلاثاء 25 مارس 2025 12:48 صباحاً

يبدو أن بعض الناس لا يعرف طريق الشهرة إلا عن طريق التوبة. حتى صارت التوبة تحتاج إلى توبة منها، لأنها صارت إثما. وليست أول مرة أن يأتي مخرج أفلام لم نسمع به تائبا ليحكي عن فساد عالم التمثيل. لم نعرف هذا المخرج إلا بعد توبته، وذاك العلماني الليبرالي الذي لم يكن ليضيف شيئا للعلمانية والليبرالية فلم يشتهر إلا عندما أعلن توبته منها، والكاتب الذي ملأ سماءنا الالكترونية بنصوصه ولم يحتفِ به أحد، قال إنه قرر أن يهجر القراءة ويكتفي بقراءة كتاب الله، وكان في وسعه أن يقرأ الكتب ويقرأ كتاب الله في الوقت نفسه. أحيانا لا تكتشف أن فلانا قد تورط في أمر جلل حتى يتوب عنه (لتصبح التوبة هي الشهرة والمصيبة هي الستر) ثم فجأة يتحول إلى حكواتي محترف يسرد قصته في كل مناسبة حتى يصير بطلا قوميا في "مجتمع التائبين".

تأملوا معي هذه القصة التي صارت تُروى في مجالس الأحباب وأصحابهم وكأنها فيلم درامي: شاب ابتُلي بالمخدرات، تقطعت علاقته بأهله وأصدقائه بسببها، ثم تاب والتحق بجماعة "التائبين"، فأصبحوا يقدمونه في كل محفل كموعظة متحركة. يقولون له "قم يا فلان، احكِ لهم قصتك مع المخدرات، وقصة قطيعتك مع أسرتك ووالديك، وقصة عراكك مع أصدقائك ومحبيك!"، فيقوم المسكين، يحكي ويتألم، يحكي ويتألم، حتى طفح به الكيل ذات مرة، فقال للحضور بكل صراحة "كان الله قد ابتلاني بالمخدرات، وقد ستر عليَّ برحمته، لكن ربي ابتلاني بأصدقائي هؤلاء الذين كشفوا ستري بعد أن تاب الله عليّ!" بمعنى أنه اكتشف أن التوبة تمت المتاجرة بها!

أما "السحرة التائبون" فالسحر لم يكن مادة مهمة من ثقافة مجتمعنا كما في بعض المجتمعات الأخرى ولا السحر حاضرٌ في المجتمع السعودي لأنه مجتمع متعلم، ولا قدراته "الخارقة" التي يدّعيها أصحابه، وإن وجد فإنها لا تصل إلى مستوى الظاهرة. لكن من أجل الإثارة والإثارة فحسب في مقابلة ولقاء فإنه لا سبيل إلا الحديث عن التوبة، يتوب أحدهم فيتحول فجأة إلى نجم درامي في مسلسل يهدف إلى إقناعنا بأن نجاتهم "المعجزة" وقصة تستحق أن تُروى في ألف حلقة وحلقة. المشكلة أن معظم قصص السحر والجان أصلا مختلقة ومصنوعة بهدف الإثارة، لكن لا بأس "تُب، سيعجب بك المذيع لأنك تجلب جمهورا أكثر!".

وعلى طريقة "إن كنت ناسي أفكّرك"، دعونا نعود إلى قصة الشيخ العمري الذي خرج ذات يوم من كهف "القراءة على الجن" بعد أن استقبل الآلاف ممن ادّعوا أنهم مصابون بمسٍّ أو سحر أو عقد، ليقول لنا فجأة إن معظم هذه الحالات هي أمراض نفسية لا علاقة للجن بها، بل إن هناك من قال إن الشيخ العمري ذهب إلى حد نفي فكرة تلبّس الجن بالبشر أساسا!

بمعنى آخر، يا أصدقاء، إذا ظهر شخص ما وادّعى أنه "ساحر تائب"، فاعذرونا، لم نكن نعرف أنك ساحر أصلا، ولم نكن لنتعرف عليك لولا توبتك "المثيرة"، التي حصلت بها على الشهرة بفضل لقاء أو اثنين تدور فيهما الرؤوس في "عجاج اللقاءات المبهرة"، وإلا فإن مثل هذه اللقاءات ما كان لها أن تأخذ دقيقة من وقتنا، لولا أن البعض لا يزال يعيش في "قرون الخرافات الوسطى"، مؤمنا أن هناك عينا تصيبك من نظرة، ومسّا يأتيك من جنّ، وسحرا يغيّر مجرى حياتك.

والسؤال الأهم الذي لم يستطع ساحر واحد أن يجيب عليه منذ فجر التاريخ هو "لو كان السحر ينفع، فلماذا لم ينفعك أنت أصلا؟!".

نرى السحرة يتفاوتون في "عدد الزبائن" و"مقدار ما يدفع لهم السذج"، فلماذا لا يستخدم الساحر مهاراته "الخارقة" لسحر منافسه والتخلص منه لينفرد في سوق السحر؟ أم أنهم يخشون أن يشعلوا "الحرب العالمية الأولى للجن"، تلك الحرب العظمى التي لن يراها أحد.

في النهاية، لماذا تثيرنا كلمات مثل: "السحر"، "الجن"، "المس"، "العين"؟ لأنها ببساطة تفسر أي شيء نعجز عن تفسيره، لكن ثمة أملا، كلما تقدم العلم وازدهر علم النفس والعلوم الإنسانية، كلما انحسرت هذه الخرافات، وتحوّلت إلى أمراض يمكن علاجها، أو حتى مجرد "خلل بسيط" في الولادة يُعالَج بالعلم، وليس بـ"بخور الساحر التائب"!

أخبار ذات صلة

0 تعليق