«قطار ميديا» مراوغة تثقِل الحواس وتخاطب الإنسان - أحداث اليوم

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«قطار ميديا» مراوغة تثقِل الحواس وتخاطب الإنسان - أحداث اليوم, اليوم الاثنين 14 أبريل 2025 02:44 مساءً

في مونودراما ««قطار ميديا»، يقدّم الفنان رافائل بينتو، ضمن فرقة «تباترو أليودا»، معالجة مسرحية للأسطورة اليونانية الشهيرة «ميديا»، لكن لا كحكاية نسوية كلاسيكية، بل كترنيمة بصرية - سمعية، حيث الموسيقى هي البطلة الحقيقية، والضوء والظل هما شريكاها في صناعة تجربة حسية لا تُنسى.
لا يمكن قراءة العرض الذي احتضنه مهرجان الفجيرة للمونودراما، من دون التوقف طويلاً عند الموسيقى التي تشكّل فيه جوهر الأداء. هي ليست خلفية للمشهد ولا مكملاً له، بل هي الفعل الأول، المتقدّم، الذي يحرّك الصورة، ويوجّه العاطفة، ويمنح إيقاع اللغة الإسبانية الغريبة عن آذان الجمهور معنىً شعرياً عميقاً. والإسبانية هنا ليست للشرح أو التواصل، بل أشبه بتراتيل موجهة لعالم محكوم بأثر الغياب.
تُبنى جمالية العرض على لعبة بصرية دقيقة بين النور والظلمة. هي ليست تزيينية، بل تؤسس لحالة وجودية كاملة، يتوه فيها البصر بين جسد الممثل وظله، بين الفعل الواقعي على الخشبة وما يُعرض مترجَماً على الشاشة خلفه. المشاهد هنا موزّع، أو مشتّت عمداً، بين النص الإنجليزي المترجم والتمثيل الحي، كأن عليه أن يختار هل يتبع العقل أم الإحساس.
في لحظات، يبدو العرض وكأنه لعبة سيرك متقنة، تجرّب التوازن لا على الحبل، بل بين الضوء والصوت، بين الصورة والفقد، بين السرد والحركة. الممثل وحده، بصمته شبه الكامل، يشبه وزن ريشة يُضبط به إيقاع الكل، فلا تعبير على وجهه، ولا انفعال يُقحم على المتلقي، بل حضور ساكن، داخلي، يُعيدنا إلى النبض البطيء الذي تسير عليه الحكاية.
فنّ الكفن
العرض لا يسرد قصة ميديا بقدر ما يستدعي روحها. تبدأ الخشبة بقطعة قماش تُستخدم مساحة لعرض الظلال، وتنتهي ككفن لدمى مشنوقة تستدعي الفقد. هذه التحوّلات ليست للعرض فحسب، بل تمثّل تطور الألم، وانقلاب الرؤية، وانتقال الأسطورة من الماضي إلى الآن.
ورغم كل عناصر الجمال والتماسك البصري، يظل هناك مأخذ لا يمكن تجاهله: إدراك المشاهد المبكر لنهاية العرض؛ فمنذ الدقائق الأولى، يتضح أنه سينتهي عندما نسحب الريشة ويسقط بناء الهيكل، وهو ما يُضعف عنصر المفاجأة ويُفقِد العرض بعضاً من توتره الدرامي، خاصّة لمن قرأ النسخة الإسبانية الأصلية التي حافظت على السردية التقليدية بلازا للأسطورة.
«قطار ميديا» ليس نصاً يُروى، بل تجربة تُعاش. مع ذلك سرده الممثل بمونوتون بار دون بتلوين هو لقاء ما بين الصوت والصمت، بين الشبح والضوء، بين جثمان الحكاية وروحها المعاصرة. عرض لا يسأل أسئلة مباشرة، بل يزرع شعوراً مراوغاً، يُثقِل الحواس، ويُخاطب الإنسان لا المرأة فقط. في عالم محكوم بالفقد، لا تعود ميديا أسطورة يونانية، بل كل امرأة وكل رجل، يجرّون ظلهم عبر الضوء.
الخلفية الفكرية
ندوة مناقشة «قطار ميديا» بدأت بمداخلة للأكاديمي والمسرحي د. عدي السعيد، المرافق للعرض، والذي يعمل في الحقل المسرحي بين إيطاليا وأوروبا. تحدث السعيد عن الخلفية الفكرية للعمل، مشيراً إلى أن اختيار أسطورة «ميديا» لم يكن تقليدياً، بل جاء من منظور شخصي يحاكي الألم والندم والحرية.
وأوضح أن بينتو أراد تجسيد «ميديا» كرجل، انطلاقاً من سؤال: إذا أصبحت ميديا إنسانة من لحم ودم، كيف ستتعايش مع ذنبها؟ ومن هنا، تحوّل العرض إلى محاولة تأملية في ثقل الفقد، والذنب الذي لا يزول بمرور الزمن.
النقاش تواصل مع مداخلة د. حسين علي عارف الذي أبدى ملاحظة بصرية حول اللباس المستخدم في العرض، مشيراً إلى غموض دلالته. وأوضح المخرج أن الزي مستوحى من أزياء الأرياف الإسبانية، وأنه اختير بعناية ليعكس «تأنيث الوجدان» من خلال جسد رجل، ودمج الثقافة المحلية مع الأسطورة المعولمة.
الندوة سلطت الضوء أيضاً على البعد النفسي في العرض، خصوصاً في لحظات استدعاء شخصية ياسون، عبر الصوت لا الجسد، ما خلق بعداً مأساوياً داخل المونودراما، وحوّل الغائب إلى حضور داخلي يتصارع مع ميديا داخل كيانها الممزق.
«قطار ميديا» في ضوء الندوة، بدا أكثر من مجرد قراءة معاصرة لأسطورة قديمة. هو عمل إنساني بامتياز، يطرح أسئلة كبيرة عن الذنب، والغفران، وحرية المرأة، وقوة الفن في تحويل الألم إلى معنى.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق