«مستطیل» دون كيشوت عصري منهار - أحداث اليوم

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«مستطیل» دون كيشوت عصري منهار - أحداث اليوم, اليوم الاثنين 14 أبريل 2025 03:16 مساءً

يقدم الفنان الإيراني سيد إمام أصفهاني رشيدي في عرضه الفردي «مستطیل» نصاً يمزج بين الهذيان المسرحي والتحليل النفسي في فضاء بصري وتعبيري بالغ التقشف.
العرض، الذي لا تتجاوز مدته 37 دقيقة وقُدم في مهرجان الفجيرة للمونودراما، يستنطق صورة البطل في الذاكرة الثقافية عبر استحضار شخصية دون كيشوت، ولكن خارج سياقها التاريخي، وفي قالب رمزي معاصر يعيد مساءلة فكرة «الخلاص» في عالم ما بعد الحقيقة.
في «مستطیل»، وهو من تأليف وإخراج سحرا رمزانيان، لا يظهر دون كيشوت محارب طواحين هواء، بل فرد مأزوم خاضع لجلسات علاج بالطاقة، تحفّها شعارات التنمية الذاتية والروحانيات التجارية. المدرب الروحي، الغائب جسدياً والحاضر كصوت داخلي، يمثّل خطاباً معاصراً رائجاً يَعِد بالخلاص الروحي، لكنه في الواقع يعمّق الاغتراب النفسي. يتلقى البطل هذا الخطاب بتماهٍ داخلي، في محاولة يائسة للتشبث بصورة بطولية في زمن الخديعة.
يعتمد العرض على أداء جسدي مكثّف يتقاطع مع حالات التكرار والهذيان اللفظي. لا تظهر على وجه الممثل أي تعبيرات واضحة، وكأن الجمود مقصود لتجسيد الانفصال بين الداخل والخارج. الجسد هنا أداة فضح لا تمثيل، يتحرك بين انهيارات وانفعالات مشوشة، تتخللها جمل متقطعة بالفارسية هي نداءات تعكس حالة تشظٍ داخلي، يصعب فصلها عن سياقها النفسي العميق.
على الرغم من بساطة العناصر، ينجح العرض في خلق فضاء بصري معقّد: شاشة من القماش تتحول تدريجياً من وسيلة للعرض إلى سطح لظلال متكسّرة، ثم إلى فن رمزي يعكس فقداً لا يُسمّى. الضوء والموسيقى يتحولان إلى شريكين فاعلين في الأداء، إذ يضبطان إيقاع الانهيار النفسي، بينما اللغة الفارسية غير المفهومة للجمهور تُستقبل كأنها طقس مأزوم، أشبه بنداء في الفراغ.
العرض لا يقدّم بطلاً تقليدياً، بل شخصية مأزومة ترى في الجمهور خصماً وصديقاً في آن. في لحظات متكررة، يخاطب البطل الحضور بنبرة شبه اتهامية، كما لو أنهم شهود على انحداره. هذا التداخل بين التمثيل والتلقي يصنع وعياً حاداً بالدور الملتبس للمُشاهِد، الذي يصفّق أحياناً للوهم، ويصمت أمام الانهيار.
ينتهي العرض بلا ذروة، بل بتلاشٍ تدريجي. دون كيشوت المعاصر لا يُهزم، بل يطلب أن يُمحى، إنها ذروة وجودية تنسف معنى البطولة ذاته، وتعيد تعريف المسرح كفضاء لمساءلة الذات، لا استعراض الهوية.
«مستطیل» عمل يُحسب له جرأته في طرح أسئلة معقدة بلغة مسرحية مقتضبة، وبأداء يعتمد على تفكيك الأسطورة من الداخل. هو عرض مونودراما يجسدها كفنٍ للبوح والانكشاف، ويضع بطله في موقع الضحية والمذنب معاً.
إعادة قراءة
افتُتحت الندوة النقدية للعرض الإيراني بتسليط الضوء على فكرته المركزية، والتي قامت على إعادة قراءة شخصية «دون كيشوت» بوصفه رمزاً للإنسان الباحث عن معنى وسط عالم مُخادع. دون كيشوت، في «مستطيل»، لم يعد الفارس النبيل الذي يقاتل طواحين الهواء، بل تحوّل إلى رجل تائه يخضع لجلسات علاج بالطاقة، مدفوعاً بأمل وهمي في الخلاص.
تعددت الآراء حول مدى نجاح هذا التحوير الرمزي، إذ رأى بعض المتحدثين أن العرض يعري الخرافة المعاصرة المرتبطة بالطاقة والتنمية الذاتية، بينما رأى آخرون أن البناء المسرحي كان بحاجة إلى مزيد من التصعيد الدرامي.
تناولت النقاشات جوانب العرض المختلفة، منها البعد الاجتماعي الذي أبرزه في شخصية «المدرب الروحي»، الذي يتحول من معالج مزعوم إلى مستثمر في معاناة الآخرين، و«سانشو» الجديد الذي لا يحمل صفة الصديق، بل مدير أعمال جشع يروّج للبطل كمنتج استهلاكي.
أشادت المداخلات بالأداء الجسدي المكثف الذي قدمه الممثل الوحيد في العرض، إذ استُخدم الجسد لغة نقدية، لا مجرد أداة تمثيل فالبطل ينهار أمام الجمهور، لا باعتباره خاسراً، بل كائن عاجز عن إدراك حدود الوهم الذي يعيشه.
من أبرز النقاط التي ناقشها الحضور بساطة الفضاء المسرحي، الذي اقتصر على مساحة مستطيلة صغيرة، تحولت إلى ساحة تعبير متكاملة، عبر الضوء والظل والصوت والحركة. وأُشير إلى أن هذا «المستطيل» يرمز إلى سجن داخلي يعيش فيه الإنسان الحديث، حيث تتحوّل الأسطورة إلى قيد، لا محرر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق